العنوان
جدة - حي العزيزية - شارع الأمن العام - مبنى أوتاد - الدور الخامس - مكتب 511
يلجأ بعض المتعاقدين إلى الاتفاق على إبرام عقد في المستقبل، نتيجة لحاجتهم إلى إبرام ذلك العقد إلا أن قدرتهم على التعاقد في وقت الاتفاق مقيدة، وتختلف أسباب ذلك من متعاقدٍ لآخر، فقد يكون العقد الموعود بإبرامه يستوجب إصدار حكم قضائي أو الحصول على موافقة حكومية أو ما شابه، وبغض النظر عن دافع إرجاء العقد إلى وقت مستقبلي، يبقى ما اتفقا عليه هو ما يسمى في الفقه القانوني بمصطلح الوعد بالتعاقد، والذي تكون الغاية منه إلزام أحد المتعاقدين أو كلاهما بأن يبرم العقد عند طلب المتعاقد الآخر أو عند حلول الأجل، ومما يدق فيه التمييز هو ما إذا كان هذ الاتفاق وعدًا بالتعاقد أم اتفاقٍ إطاري والذي يُعرف بالمصطلح الدارج مذكرة التفاهم، والذي يهدف الأطراف فيه إلى تحديد إطار قانوني يبين لهما الطريق ويرسم خرائط تعاملاتهم المستقبلية، ويكون الأخير إجمالًا غير ملزم بإبرام التعاقد مستقبلًا، بعكس الوعد بالتعاقد والذي يتميز بعنصر الإلزام إذا ما تم الاتفاق على مسائله الجوهرية، هذا وقد قرر المنظم السعودي على أحكام كلاهما وارساها، وذلك بما قرره في نظام المعاملات المدنية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/191) وتاريخ 29/11/1444هـ، ونظرًا لما سبق بيانه من دقة التمييز بينهما، رأينا بأن نخصص هذا المقال لبيان أحكام الوعد بالتعاقد ونعرج في ختامه على الاتفاق الإطاري، وفق الأوجه النظامية المعمول بها في المملكة العربية السعودية.
عرف الفقهاء الوعد بالتعاقد على أنه العقد الذي يتعهد بموجبه كلا المتعاقدين أو أحدهما بإبرام عقد معيّن في المستقبل لا ينعقد إلا إذا عيّنت فيه جميع المسائل الجوهرية للعقد المراد إبرامه والمدة التي يجب إبرامه خلالها، ومن هذا التعريف تنطلق أحكام الوعد بالتعاقد، وذلك من عدة جوانب نبينها أدناه.
للوعد بالتعاقد من حيث الإلزامية صورتين أولها أن يكون الوعد ملزم لجانب واحد من الطرفين، فيكون هو الطرف الواعد الملزم بتنفيذ العقد الموعود به وقت طلب المتعاقد الآخر خلال مدة معينة، اما الصور الثانية للوعد بالتعاقد هو أن يكون الوعد ملزم للجانبين، فيكون الطرفين ملزمين بتنفيذه خلال مدة معينة، وبالتالي فإن صور الوعد بالتعاقد من حيث الإلزام تتشكل بين أن يكون الوعد ملزم لجانب أو أن يكون الوعد ملزم لجانبين.
كما أن للوعد بالتعاقد شروط تكسبه صفة الإلزامية، والتي دونها يضحى الوعد فاقدًا لإلزاميته ونبينها أدناه:
1- الاتفاق على المسائل الجوهرية لذات العقد الموعود بإبرامه.
أول شروط الوعد بالتعاقد هو تحديد المسائل الجوهرية لذات العقد، والمقصود بالشروط الجوهرية هي الشروط التي لا ينعقد العقد دونها، وتختلف الشروط الجوهرية من عقد لآخر حسب العقد وماهيته، ونمثل على ذلك بعقد البيع والذي تعد من شروطه الجوهرية تحديد المبيع والثمن، وعقد الإيجار ومن شروطه الجوهرية تحديد العين المؤجرة والأجرة، وهذين المثالين يبينا بجلاء أن الشروط الجوهرية تختلف من عقد لآخر، وأيًا ما كان العقد الموعود بإبرامه، يجب الاتفاق على شروطه الجوهرية عند نشوء الوعد ليتمتع بإلزاميته.
2- الاتفاق على المدة المحددة لإبرام العقد.
كما أشرنا سلفًا بأن الوعد بالتعاقد تحدد به مدة يبرم خلالها العقد الموعود به أو يبرم عند حلولها، ومما لا شك فيه أن مثل هذه المسألة أن تُركت دون تحديد من شأنها العبث باستقرار المعاملات وإحلال النزاع بين أطراف الوعد كما أن من الممكن أن تضر بالطرف الملزم في صورة الوعد الملزم لجانب واحد، ولهذا لم يترك المنظم مجالًا لإغفالها وأوجب الاتفاق على تعيينها.
3- مراعاة الشروط بما فيها الشكلية للعقد الموعود به.
ومفاد ذلك أنه في حال كان للعقد الموعود بإبرامه أي شروط شكلية بما فيها الكتابة، فيجب حينها أن يشتمل الوعد بالتعاقد على ذات الشكلية وقت نشوئه.
وبعد أن فرغنا من بيان شروط الوعد بالتعاقد، والتي تجعل الوعد ينشأ صحيحًا حائزًا على حجيته، نُبين فيما يلي أهم الآثار المترتبة على الوعد بالتعاقد.
أهم آثار الوعد بالتعاقد:
1- بقاء الواعد ملزمًا بالوعد طوال المدة المعينة ولا يسقط إلا بمرور المدة دون أن يبدي الطرف الآخر رغبته.
2- انتقال الوعد للخلف العام (الورثة)، فإذا توفى أحد أطراف الوعد ينتقل هذ الوعد إلى ورثته سواءً كان المتوفى الواعد أو الموعود له.
وقبل الختام وبعد أن بينا ماهية الوعد بالتعاقد وأحكامه وشروطه وأهم الآثار المترتبة عليه، آن الأوان لأن نعرج على ما يعرف بالاتفاق الإطاري (مذكرة التفاهم)، وبيان الغاية منه بشيء من التفصيل وذلك وفق الآتي بيانه:
الغاية من الاتفاق الإطاري:
تعد الغاية من الاتفاق الإطاري –ويسمى بمذكرة التفاهم وهو مسمى مترادف مع الاتفاق الإطاري-، هي تحديد الأسس والمبادئ العامة التي توجه العلاقة بين الأطراف دون الأخذ بالتفاصيل الدقيقة للتعاقد، ويهدف الاتفاق الإطاري إلى تحديد الأهداف والتوجهات العامة وتحديد السياق العام للتعاون بين الأطراف مما يوفر إطارًا للتفاوض وإبرام العقود الفردية مستقبلًا، ويساعد الاتفاق الإطاري على تحديد التوقعات والمسؤوليات العامة لكل طرف وتقديم إطار لحل النزاعات المحتملة، كما يتضمن بعض من البنود الأخرى التي من شأنها الوصول إلى الغاية منه، كما يتسم بعدم إلزاميته النظامية غالبًا بخلاف العقود النهائية والتي تتسم بعنصر الإلزام، والمقصود بالإلزامية هنا، هو أن الاتفاق الإطاري لا يلزم أطرافه على ابرام العقود مستقبلًا، إلا أنه إذا ما أبرمت عقود مستقبلية فيكون حينها جزء لا يتجزأ من هذه العقود.
وعلى هدى ما تقدم فإن ما يستبان مما سلف أن للوعد بالتعاقد والاتفاق الإطاري عدة فروقات جوهرية يتميز بها كلًا منهما عن الآخر، فالوعد بالتعاقد يشير إلى تعهد بالالتزام بعقد محدد في المستقبل على أن يتم الاتفاق فيه على المسائل الجوهرية، اما الاتفاق الإطاري فإنه يحدد الأسس والمبادئ العامة التي توجه العلاقة بين الأطراف دون التطرق للمسائل الجوهرية والتفاصيل الدقيقة وعادةً ما يشمل جميع تعاملات الأطراف لا عقد محدد بعينه، كما أن الوعد بالتعاقد يتمتع بعنصر الالزام بعكس الاتفاق الإطاري الذي يكون عادةً غير ملزم نظامًا، وغيرها من الفروقات التي تطرقنا إليها في هذا المقال.
ختامًا: إن الهدف من هذا المقال هو تسليط الضوء على ماهية الوعد بالتعاقد وعلى الفروقات بينه وبين الاتفاق الإطاري، وذلك لفهم أهمية كل منهما، من خلال تحليل السمات والأغراض الرئيسية لكل نوع، سعيًا للحفاظ على استقرار التعاملات واستدامتها، لذا يجب علينا أن ندرك أهمية اختيار الوسيلة المناسبة في كل حالة وفقًا للأهداف المراد تحقيقها، وبالتالي يمكن أن تسهم هذه المقالة في توجيه الأطراف إلى اتخاذ القرارات الصائبة وبناء علاقات تعاقدية ناجحة.
ونقول في الختام إن أصبنا فمن الله تعالى وإن أخطأنا فمن أنفسنا والشيطان.